أضرار السهر على الصحة

عنوان المقال: أضرار السهر الصحية والنفسية

مقدمة

يمثل السهر ظاهرة شائعة في المجتمعات الحديثة، خصوصًا مع تزايد الضغوط الحياتية والانغماس في الأنشطة الترفيهية والتقنية، مثل تصفح الإنترنت أو متابعة الشاشات حتى ساعات متأخرة من الليل. على الرغم من أن السهر قد يبدو وسيلة لزيادة الإنتاجية أو للهروب من ضغوط النهار، إلا أن له آثارًا سلبية عديدة تتعدى مجرد الشعور بالتعب. حيث أن قلة النوم واضطراب الساعة البيولوجية يؤثران بشكل مباشر في صحة الإنسان الجسدية والنفسية والسلوكية، إلى جانب التأثير على العلاقات الاجتماعية والأداء المهني. يشكل هذا المقال دراسة علمية شاملة لمجمل الأضرار المرتبطة بالسهر المزمن، ويستعرض تأثيراته المتعددة المدعومة بأبحاث ودراسات حديثة.

مفهوم السهر وعلاقته بالساعة البيولوجية

السهر يعني الاستيقاظ لساعات متأخرة من الليل وتجاوز توقيت النوم الطبيعي للإنسان. ويُعد السهر مخالفًا لآلية عمل الساعة البيولوجية التي تنظم دورات النوم واليقظة في جسم الإنسان بناءً على الضوء والظلام. يرتبط هذا الإيقاع الطبيعي بهرمونات محددة، أهمها الميلاتونين الذي يُفرز في الظلام لتحفيز النوم، والكورتيزول الذي يفرز في النهار ليحفز النشاط.

عندما يخلّ الإنسان بإيقاع هذه الساعة البيولوجية عبر السهر، فإنه يواجه سلسلة من التفاعلات الجسدية والهرمونية تؤثر سلبًا على كل وظائف الجسم تقريبًا. هذا الخلل إذا استمر لفترات طويلة، يتحول إلى اضطراب مزمن يهدد الصحة العامة.

الأضرار الجسدية الناتجة عن السهر

1. اضطرابات القلب والأوعية الدموية

تشير الدراسات إلى أن السهر المزمن يزيد من خطر الإصابة بأمراض القلب بسبب:

• ارتفاع ضغط الدم نتيجة لزيادة نشاط الجهاز العصبي الودي ليلًا.

• اختلال توازن الهرمونات المرتبطة بالإجهاد مثل الكورتيزول.

• ارتفاع نسبة الكوليسترول الضار في الجسم.

أظهرت دراسة منشورة في مجلة Sleep أن الأشخاص الذين ينامون أقل من 6 ساعات يوميًا معرضون بنسبة أكبر للإصابة بتصلب الشرايين والنوبات القلبية.

2. خلل في الجهاز المناعي

قلة النوم الناتجة عن السهر تؤثر بشكل مباشر على الجهاز المناعي، حيث:

• تقل قدرة الجسم على إنتاج الخلايا المناعية.

• تزيد قابلية الجسم للإصابة بالعدوى الفيروسية والبكتيرية.

• يتباطأ التئام الجروح وتتعطل عمليات الإصلاح الخلوي.

3. زيادة الوزن والسمنة

يرتبط السهر باضطرابات في إفراز هرمونات الجوع والشبع (اللبتين والغريلين)، مما يؤدي إلى:

• زيادة الشهية، خاصة تجاه الأطعمة الغنية بالدهون والسكريات.

• تخزين الدهون في منطقة البطن.

• انخفاض معدل الأيض الأساسي.

وقد بيّنت أبحاث عديدة أن السهر يعد أحد عوامل الخطر الأساسية المرتبطة بالسمنة لدى البالغين والمراهقين على حد سواء.

4. تأثيرات على الجهاز الهضمي

السهر يخلّ بوظائف الجهاز الهضمي من خلال:

• إبطاء حركة الأمعاء مما يؤدي إلى الإمساك.

• زيادة حموضة المعدة وارتجاع الأحماض.

• تعطيل إيقاع إفراز الإنزيمات الهضمية.

الأضرار النفسية والعقلية الناتجة عن السهر

1. ضعف التركيز والانتباه

يؤدي السهر إلى:

• انخفاض قدرة الدماغ على التركيز والتذكر.

• ضعف الأداء الذهني العام، بما في ذلك المعالجة البصرية واللفظية.

• تراجع القدرة على اتخاذ القرارات الصحيحة.

2. التقلبات المزاجية والاكتئاب

قلة النوم الناتجة عن السهر تؤثر على الناقلات العصبية في الدماغ مثل السيروتونين والدوبامين، مما يسبب:

• اضطرابات مزاجية مستمرة.

• زيادة القابلية للإصابة بالاكتئاب والقلق.

• انخفاض الشعور بالسعادة والرضا العام.

أشارت دراسة نُشرت في مجلة Journal of Clinical Psychiatry إلى أن السهر المستمر يزيد من احتمالية الإصابة بالاكتئاب بنسبة تصل إلى 40%.

3. ضعف السيطرة الانفعالية

السهر يضعف القشرة الجبهية الأمامية المسؤولة عن التحكم في الانفعالات، ما يؤدي إلى:

• سرعة الغضب.

• ضعف التحمل النفسي.

• التصرفات العشوائية وغير المنطقية.

الأضرار الاجتماعية والمهنية المرتبطة بالسهر

1. تدني الأداء الوظيفي والأكاديمي

يعاني الأشخاص الذين يسهرون من:

• ضعف في الإنجاز المهني نتيجة لقلة التركيز والتعب.

• زيادة الأخطاء أثناء العمل.

• تراجع القدرة على التفاعل بفعالية مع الزملاء.

2. تدهور العلاقات الاجتماعية

السهر يؤدي إلى:

• الانعزال الاجتماعي بسبب اضطراب أوقات النوم واليقظة.

• ضعف العلاقات العائلية نتيجة لتداخل أنماط الحياة.

• الشعور بالعزلة والاكتئاب نتيجة فقدان التواصل اليومي.

الأضرار الهرمونية الناتجة عن السهر

السهر يخل بتوازن النظام الهرموني في الجسم، ما يؤدي إلى:

• انخفاض إفراز هرمون النمو، مما يؤثر على تجدد الخلايا.

• اختلال مستويات الأنسولين، مما يزيد من خطر الإصابة بالسكري من النوع الثاني.

• زيادة إفراز هرمونات التوتر كالأدرينالين والكورتيزول.

أضرار السهر على الجلد والمظهر الخارجي

1. شحوب الوجه وظهور الهالات السوداء

السهر يمنع تدفق الدم الطبيعي إلى الجلد، مما يؤدي إلى:

• بهتان لون البشرة.

• انتفاخ تحت العينين.

• تسارع ظهور علامات الشيخوخة.

2. تساقط الشعر

اضطراب النوم يؤثر على الدورة الطبيعية لنمو الشعر، ويؤدي إلى:

• تساقط الشعر بكميات كبيرة.

• ضعف بصيلات الشعر.

• تباطؤ معدل نموه.

السهر واضطرابات النوم المزمنة

السهر المستمر يؤدي إلى الإصابة بعدة اضطرابات في النوم، من بينها:

السهر عند الأطفال والمراهقين

يؤدي السهر عند الفئات العمرية الصغيرة إلى:

• تأخر النمو العقلي والجسدي.

• ضعف الأداء الدراسي.

• مشاكل سلوكية مثل فرط النشاط أو العدوانية.

كما أن الأطفال والمراهقين يحتاجون إلى عدد ساعات نوم أطول من البالغين، ما يجعل السهر أكثر خطورة عليهم.

السهر ومخاطر الحوادث

تشير الإحصائيات إلى أن الأشخاص الذين يسهرون كثيرًا معرضون للحوادث بنسبة أعلى بسبب:

• انخفاض مستوى الانتباه وردود الفعل.

• زيادة الشعور بالنعاس أثناء قيادة السيارات أو تشغيل الآلات.

• تزايد أخطاء العمل الخطرة في القطاعات الحساسة مثل الصحة والبناء.

السهر وتأثيره على المدى الطويل

تراكم تأثيرات السهر عبر السنوات يؤدي إلى:

• زيادة فرص الإصابة بالأمراض المزمنة مثل السكري، وارتفاع ضغط الدم، وأمراض الكبد.

• اضطرابات هرمونية دائمة تؤثر على الإنجاب والجهاز التناسلي.

• تراجع الوظائف الإدراكية والدماغية مع التقدم في السن.

خاتمة

السهر ظاهرة مدمرة لصحة الإنسان الجسدية والنفسية، وتؤثر على جودة الحياة بمستوياتها كافة. وهو ليس مجرد عادة سلوكية مؤقتة، بل نمط حياة يؤدي إلى سلسلة معقدة من التغيرات الفسيولوجية والبيولوجية التي تؤدي إلى اضطرابات صحية مزمنة. الوقاية من هذه الأضرار تبدأ بإعادة تنظيم النوم واحترام الساعة البيولوجية، إلى جانب تحسين أنماط الحياة اليومية كالتغذية والنشاط البدني.

المراجع

1. Walker, M. (2017). Why We Sleep: Unlocking the Power of Sleep and Dreams. Scribner.

2. Medic, G., Wille, M., & Hemels, M. E. (2017). “Short- and long-term health consequences of sleep disruption”. Nature and Science of Sleep, 9, 151–161. https://doi.org/10.2147/NSS.S134864